التاريخ: 2009/06/30
نص الحديث
ورد عن الامام الصادق (عليه السلام): الحديث القدسيّ الآتي: لو لا ان يحزن المؤمن لجعلت للکافر عصابة من حديد، لا يصرع رأسه أبداً.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يستهدف الاشارة الی عدم أهمية الدنيا عند الله تعالی، بحيث انّ الکافر (وهو ألدّ اعداء الله تعالی) سمح له الله تعالی بان يرتاح ويفرح بها الی درجة ان الله تعالی لوشاء لعصبه بعصابة بحيث لا يصيبه حتی الصداع، لو لا ان المؤمنين يحزنون علی رؤيتهم اعداء الله تعالی، وهم في اشباع کامل لحاجاتهم الدنيوية.
والآن مع ملاحظة هذا الحديث القدسي يجدر بنا ان نتبين مدی طرافته البلاغية، وهذا ما نبدأ به الآن.
الحديث المتقدم نطلق عليه - في المصطلح البلاغي - (صورة فرضيّة)، ومعنی الصورة الفرضية هو: احداث علاقة بين طرفين من خلال جعل أحدهما مجرّد فرضية لا واقع لها، اي: (لو فرض حصول هذا الشيء) کما: لو لاحظنا قوله تعالی: «لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا».
بلاغة الحديث
والمهم - من الزاوية البلاغية - ان الحديث القدسي المذکور قدّم لنا صورة فرضية لها طرافتها وعمقها من حيث النظر الی الدنيا وانعدام أهميتها، وضرورة ان يتحمل العبد المؤمن شدائد الحياة، ولا يجزع منها، لانها شدائد عابرة، يعقبها اشباع أخروي لا حدود لمستوياته بحيث لا عين رأت ولا اذن سمعت بمثله.
والنکتة الثانية هي: طبيعة الصورة المتجسدة في العصابة من الحديد، اي: ان النص قد انتخب (الحديد ) من حيث صلابته التي تمنع اختراقه، اي: ان العصابة من الحديد تمنع وصول الصداع الی رأسه، وهو تعبير عن الاشباع الذي لا حدود له في الدنيا القصيرة التي يتمتع بها الکافر، وما يتخذ المائة سنته مثالا وهي عمر الکافر حيال الحياة الأخروية التي لا حدود لها من حيث الزمن، ولا حدود لها من حيث الاشباع، هنا لا مناص ايضاً من الاشارة الی ان الصورة المذکورة قالت بما مؤداه : لو لا حزن المؤمن لعصبّ الله تعالی الکفار بعصابة من حديد، حيث ان المؤمن قد يحزن لما يشاهده من النعيم للکافر، ولکن الله مراعاة لذلک، لم يعصبّ الکافر بعصابة من حديد.
*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir