التاريخ: 2009/08/11
نص الحديث
قال الأمام علي (عليه السلام): الدنيا سجن المؤمن وجنة الکافر.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يظل من الأحاديث الحافلة بما لا نهاية لتصور دلالته، أنه يتحدث عن (المؤمن) ويتحدث عن (الکافر). أما الکافر فلأن الدنيا لاقيمة لها عند الله تعالی لذلک جعلها للکافر مننزلا للمتاع العابر، حتی أنه ورد بان الدنيا لو کانت ذات قيمة عند الله تعالی لما سقی الکافر بها شربة ماء، اذن ما أتفه الحياة الدنيا.
وأما المؤمن فقد هيأ له الله تعالی الحياة الحقيقية أي: الخالدة المترفة والمشبعة بما لاحدود له من الأشباع ويعيننا من هذه الظاهرة مارسمه الأمام علي (عليه السلام) من صورة تمثيلية هي أن الدنيا هي (جنة) للکافر و(سجن) للمؤمن وهي صورة بلاغية.
بلاغة الحديث
يقول النص (الدنيا سجن المؤمن). تری ماذا نستلهم من الدلالة التي يرمز اليها (السجن)!
من البين أن السجن هو مکان محدود ومقيد لا مجال فيه للأمتاع ولکن هذا السجن لا يتجاوز به مدی محدوداً لا قيمة له البتة حيال المدی غير المحدود في الأخرة، و حتی لو قلنا بأن التطرق من الماء هي الدنيا والأخرة هي البحر لا واقعية لهذا التشبيه لأن الدنيا محدودة والأخرة غير محدودة. أذن السجن لمدة محدودة لا قيمة له لمدة غير محدودة، والأهم هو: أن رمز (السجن) يعني: الأختبار الالهي الذي جعلة معياراً لفوز المؤمن علی غيره.
علی العکس من الصورة التمثيلية للمؤمن نلاحظ بان (الکافر) قد رسم له الامام ع صورة تمثيلية هي (الجنة) أو المزرعة الکبيرة التي يستمتع بها الکافر، حيث يحقق أشباعاً لجميع حاجاته الحيوية والنفسية والعقلية. تری ما هو السر الکامن وراء ذلک؟
أنه من الواضح، أن المدة المحدودة وحتی المدة الکبيرة لاقيمة لها اذا اعقبته المدة المحدودة أيضاً من الاحباط، لان المهم هو: الحالة الراهنة للشخص، فلو أنطوت حياته علی الاحباط جميعاً ثم أعقبها الاشباع، فأن الاحباط ينسی، والاشباع هو الباقي فکيف - أذن - أذا کان الاشباع خالداً لانهاية له!
أذن الکافر حينما يحقق أشباع تاماً في مدته المحدودة يظل الاشباع لاقيمة له البتة مادام الاحباط هو الذي سيغلف حياته أبداً، وبذلک يتلاشي الأشباع تماماً ويبقی العذاب الخالد هو نصيب الکافر.
أذن أمکننا أن نثبت مدی بلاغة الامام علي (عليه السلام) في رسمه للصورة التمثيلية المتقدمة، وهو ما يحملنا علی أن نتعض بمارسمه (عليه السلام)، وأن نتزود بالقوی، ونصبر علی شدائد الحياة، ونوفق ال ممارسة الطاعة، سائلين الله تعالی أن يوفقنا الی ذلک جميعاً، أنه سميع مجيب.
*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir