11 ـ قال : حدّثنا محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن شهاب الزهري قال : ( لمّا قَدِمَ جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) من بلاد الحبشة بعثه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إلى مؤتة واستُعمِل على الجيش ، معه زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ، فمضى الناس معهم حتى كانوا بتخوم البلقاء ، فلقيهم جموع هرقل من الروم والعرب ، فانحاز المسلمون إلى قرية يُقال لها : مؤتة ، فالتقى الناس عندها واقتتلوا قتالاً شديداً ، وكان اللواء يومئذٍ مع زيد بن حارثة ، فقاتل [ به ] (1) حتى شَاطَ في رماح القوم ، ثمّ أخذه جعفر فقاتل به قتالاً شديداً ، ثمّ اقتحم عن فرس [ له ] (2) شقراء ، فعقرها وقاتل حتى قُتِل ، [ قال ] (3) وكان جعفر أوّل رجل من المسلمين عقر فرسه في الإسلام ، ثمّ أخذ اللواء عبد الله بن رواحة ، فقاتل حتى قُتِل ، فأعطى المسلمون اللواء بعدهم إلى خالد بن الوليد ، فناوَشَ القوم وراوغهم ثمّ انحاز بالمسلمين منهزماً ، ونجا بهم من الروم ، وأنفذ رجلاً من المسلمين ، يُقال له : عبد الرحمان بن سمرة إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) بالخبر .
فقال عبد الرحمان : فصرت إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، فلمّا وصلتُ [ إلى ] (4) المسجد قال لي رسول الله : على رِسْلِك يا عبد الرحمان ، ثمّ قال ( صلّى الله عليه وآله ) : أخَذَ اللواء زيد ، فقاتل به فقُتِل رَحِمَ الله زيداً ، ثمّ أخذ اللواء جعفراً ، فقاتل وقُتِل فرَحِمَ الله جعفراً ، ثمّ أخذ اللواء عبد الله بن رواحة ، فقاتل وقُتِلَ فرَحِمَ الله عبد الله .
قال : فبكى أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وهُم حوله ، فقال لهم النبي : فما يبكيكم ؟ فقالوا : وما لنا لا نبكي وقد ذهب خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل [ منّا ] (5) ، فقال لهم ( صلّى الله عليه وآله ) : لا تبكوا فإنّما مثل أُمتي كمثلِ حديقةٍ قام صاحبها فأصلح رواكبها وبنى مساكنها وحَلَقَ سعفها ، فأطعمتْ عاماً فوجاً ، ثمّ عاماً فوجاً ، فلعلّ آخرها طعماً أن يكون أجودها قنواناً وأطولها شِمراخاً ، أمَ والذي بعثني بالحقّ نبيّاً ، ليجدنّ عيسى بن مريم في أُمتي خَلْقاً من حواريه . قال : وقال كعب بن مالك يرثي جعفر بن أبي طالب و [ عن ] (6) المستشهدين معه ، فقال :
نامَ (7) العُيونُ ودَمـعُ عينِـكَ يَهمُلُ سَحّاً (8) كما وَكَفَ الطّبابُ (9) المُخْضَلُ
وكأنَّما بيـن الجَوانِــحِ والحَشَــا ممَّــا تأوَّبنــي شِهــابٌ مُدخِــلُ
وَجداً على النَّفَــرِ الذيــنَ تَتابَعُـوا يومــاً بمؤتــةَ أُسْنِدوا لم يُنْقَلوا (10)
فـتَـغَيَّر الـقـمرُ الـمُنيرُ لِـفَقْدِهِ (11)
والـشمسُ قـد كُـسِفَتْ وكـادَتْ تأفَلُ
قــومٌ عَــلاَ بُـنـيانُه مِـنْ هـاشمٍ
فَـرْعَاً أَشَـمَّ وسُـؤدداً مـا يُـنْقَلُ(12)
قــومٌ بـهـم عَـصَمَ الإلـهُ عِـبادَه
وعـلـيهِمُ نَــزَلَ الـكتابُ الـمُنْزَلُ
وبـهـديهم رَضِــيَ الإلــهُ لِـخَلْقِهِ
وبِـجُـهدِهِم نُـصِرَ الـنَّبِيُّ الـمُرْسَلُ
بِـيضُ الـوجوهِ تـرى بُـطونَ أكُفِّهِم
تَندَى إذا اغبرَّ الزمانُ المُمْحِلُ (13) ) (14)
__________
( 1 ) من الأمالي .
( 2 ) ـ ( 5 ) من الأمالي .
( 6 ) من الأمالي .
( 7 ) في الأمالي : هَدَتْ .
( 8 ) سَحَّ الماء : صَبَّه صبّاً متتابعاً غزيراً .
( 9 ) في الأمالي : الضّباب . أقول : الطبابة : القطعة المستطيلة من الثوب أو السجاب أو الجلد أو الأرض .
( 10 ) في الأمالي : لم يغفلوا .
( 11 ) في الأمالي : لفقدهم .
( 12 ) في الأمالي :
قومٌ علا بنيانهم من هاشم فرعٌ أشمّ وسؤددٌ ما يُنقَل
( 13 ) أمْحَلَ المكان : أجْدَبَ .
( 14 ) رواه الشيخ في أماليه 1 : 141 .
الجزء الحادي عشر - القسم الحادي عشر
- الزيارات: 3306