وقد أرجع هؤلاء سبب إهمال الحديث إلى قلّة الكتّاب وندرة أدوات الكتابة عند العرب لا غير(1) .
وقد أجاب الاعلام ـ كالشيخ عبد الخالق عبد الغني في حجيّة السنة(2) ، وصبحي الصالح في علوم الحديث(3) ، والدكتور مصطفى الاعظمي في كتابه دراسات في الحديث النبوي(4) ، والعجاج الخطيب في السنة قبل التدوين(5) ، وغيرهم ـ عن هذه الشبهة، وملخّص أجوبتهم هو:
أن جملة «لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن» بنفسها دالة على وجود المؤهل للكتابة عند العرب، بل و جود الكتبة عندهم، إذ لا يعقل أن يخاطب الرسول جمعاً ليس لهم قدرة الكتابة بقوله: «لا تكتبوا».
وقد ثبت في التاريخ وجود كتّاب، كزيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي بكر بن عمرو بن حزم وغيرهم، ونحن قد أوصلنا عدد هؤلاء الكتبة في كتابنا وضوء النبي المجلد الثاني إلى 54 شخصاً، وعليه فالكتابة كانت موجودة عند العرب، ويضاف إليه وجود نيف وثلاثين كاتباً ـ وفي آخر أربعين كاتباً ـ للرسول يحسنون الكتابة، وقد كتبوا إلى الروساء والملوك، وأن الاسلام كان يدعو إلى الكتابة وتعلّمها.
إذن، الكتابة كانت في حالة ازدياد، فلا يمكن عزو إهمال الحديث إلى قلّة الكتّاب، لان الكتبة كانوا في حاله ازدياد لا نقصان !
أما ندر أدوات الكتابة، فهو الاخر لم يكن بالشيء القليل، فالذين كتبوا ودوّنوا القرآن كان يمكنهم أن يكتبوا الحديث في تلك الادوات التي كتبوا فيها القرآن، كالعسب والقتاب والاكتاف وقطع الاديم وما شابه ذلك.
وبهذا فقد عرفنا عدم إمكان قبول تعليل ابن قتيبة وابن حجر.
ونحن نترك الكلام عن الاسباب الاخرى(6) من أجل ضيق الوقت، ونكتفي بالاشارة إلى ما قاله غالب كتّاب الشيعة وما توصلنا إليه(*) .
____________
1 ـ تأويل مختلف الحديث: 366، هدى الساري: 4.
2 ـ حجيّة السنة: 430 و444.
3 ـ علوم الحديث ومصطلحه: 6.
4 ـ دراسات في الحديث النبوي: 73.
5 ـ السنة قبل التدوين: 301.
6 ـ لما قرّر المركز طبع هذه المحاضرة رأينا من الضروري أن نطلب من سماحة السيد الاشارة إلى الاسباب الاخرى التي تركها لضيق الوقت مختصراً، ليتكامل البحث ولا يحس المطالع بالاخلال فيه، فقال:
السبب الثالث : ما ذهب إليه ابن قتيبة وابن حجر
- الزيارات: 3552