محور سورة الروم
أمّا المحور الذي تدور حولـه سورة الروم بآياتها المباركة؛ فهـو كون الأمور جميعاً بيد الله، يفعل بها ما يشاء: «لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» (الروم/4)، فالله سبحانه هو مقلّب القلوب والأحوال، وهو الذي يقرّب الإنسان منه ويدينه إليه أو يبعده عنه ويقضيه، ولعلّ أحداً منا لا يجهل قصّة ذلك البطل "الحر الرياحي" ومواقفه في كربلاء بين أمسه ويومه، أفليس هو الذي حال بين الحسين عليه السلام وبين العودة الى الحجاز، فأبى إلاّ أن يسلّمه لعبيد الله أو يسلك سبيلاً لا يؤدّي إلى الكوفة أو الحجاز، لقد كان ذلك في أمس كربلاء، حيث لم يصح ضميره بعد رغم أنّه قد عرف الحسين عليه السلام، وعرف ابن من هون ومن التي ولدته؟
لقد كانت الغشاوة ما تزال تغطّي قلبه، حتّى بدأت الجذوة تتّقد شيئاً فشيئاً في ضميره حين عرف نوايا القوم، واتّضحت له أهدافهم، فقال قولته المشهورة: "إني لأخيّر نفسي بين الجنّة والنار"، فما أعظم وأحلى وأطيب الإنسان حين يستيقظ منه الضمير والوجدان الخالصان النقيّان، وحين يعود الى ربّه، وقد جسّد الحرّ الرياحيّ ذلك بقوله: "والله لا أختار على الجنّة شيئاً". فهزّ اللجام وراح صوب مولاه، ووقف بين يديه قائلاً: "عذراً أبا عبد الله! فأنا الذي فعلت بك كذا وكذا..." إلى آخر ذلك الموقف المشرّف؛ موقف التوبة النصوح.
فالمسافة بين المعسكرين كانت قصية في الحساب المادّي، ولكن هل تعلمون أنّ هذه المسافة في حقيقتها وبقياس المعنويات والقيم الروحيّة هي أكثر وأوسع من ذلك بكثير، ولعل أدقّ تعبير يصف هذه المسافة أن تقول إنها الطريق بين الجنّة والنار.
فكلّ واحد منّا يشعر أن كاهله قد ثقل من الأوزار أن يضع نصب عينيه موقف الحرّ وأمثاله، فلا ييأس من رحمة الله، لأنّ الأمر كلّه بيد الله: «لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» (الروم/4)، فليس هناك أمر يصعب عليه سبحانه فهو يفعل ما يريد.